الإستصحاب

ويعد موضوع الاستصحاب من الموضوعات الرئيسة في النحو العربي وأصوله . فيه تظهر عبقرية نحاة العربية في طرائقهم في النظر إلى مسائل النحو أو الفقه، وما امتازوا به من دقة. و سوف سنبحث في هذه المقالة عن الإستصحاب.     

البحث

الاستصحاب لغة[1]: الاستصحاب الاستفعال من الصحبة، وهي الملازمة واستمرار الصحبة واستدامتها. يقال: استصحبت الكتاب وغيره : حملته بصحبتي . وكل ما لازم شيئًا فقد استصحبه. ومن هنا قيل: استصحبت الحال إذا تمسكت بما كان ثابتًا.

الاستصحاب في الاصطلاح : ورد الاستصحاب عند أصحاب أصول الفقه بتعريفات كثيرة تختلف في اللفظ لكنها ترتد إلى معنى واحد وهو أنّ ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل

بقاؤه في الزمن المستقبل؛ وهو معنى قولهم : الأصل بقاء ما كان حتى يقوم الدليل على تغيير حاله[2]

فالاستصحاب – من المعنيين اللغوي والاصطلاحي - هو مصاحبة حكم كان ثابتًا في الماضي باقيًا في الحاضار حتى يأتي دليل على تغييره مع بذل الجهد في البحث والطلب، بمعنى أن المجتهد إذا سئل عن حكم تصرف ما ولم يجد نصًا من القرآن الكريم أو السنة ولا دليلا شرعيًا حكم بإباحة التصرف بناءً على أ نّ الأصل في الأشياء الإباحة. وكذلك إذا سئل عن حكم حيوان أو جماد أو نبات أو أ يّ طعام أو شراب، أو عمل من الأعمال ولم يجد دليلا شرعيًا على حكمه، حكم بإباحته؛ لأ نّ الإباحة هي الأصل، ولم يقم دليل على تغييره[3]

الإستدلال بالإستصحاب عند الأصوليين

هذا ويعدّ الاستصحاب من الأدلة الشرعية التي تستفاد منها الاحكام، وقد اتفق جمهور العلماء على أنّ الأدلة المتفق عليها هي : القرآن الكريم، والسنة، والإجماع، والقياس . وهناك أدلة مختلف فيها هي : الاستحسان، والمصالح المرسلة، والاستصحاب، والعرف، ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا[4]

ويرى ابن قدامة أنّ الاستصحاب يعد الأصل الرابع من الأصول وهي :الكتاب، والسنة، والإجماع، والاستصحاب[5]. في حين يرى الجويني أنّ الاستصحاب آخر متمسك للناظر[6].

وجاء في المحصول قوله : "واعلم أنّ القول باستصحاب الحال أمر لا بدّ منه في الدين والشرع والعرف"[7]. وقال الخوارزمي في الكافي : "وهو آخر مدار الفتوى، فإنّ المفتي إذا سئل عن حادثة يطلب حكمها في الكتاب، ثم في السنة، ثم في الإجماع ثم في القياس فإنْ لم يجده يأخذ حكمها من استصحاب الحال في النفي والإثبات"[8]

فالاستصحاب لازم لكل أمر؛ لأنه أصل. وذهب آخرون إلى أنّ الاستصحاب لايستعمل دليلا، ولكن يسوّغ الترجيح به[9]

والاستصحاب عند الأصوليين أنواع منها: استصحاب البراءة الأصلية، والاستصحاب ما دل العقل والشرع على ثبوته، واستصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي حتى يثبت خلافه كاستصحاب الطهارة، واستصحاب الحكم العقلي . . .إلخ. وقد جرى خلاف بين الفقهاء في تطبيق أنواع الاستصحاب، وبينهم مناقشات طويلة لا مجال لعرضها[10]

أثر الإستصحاب

ظهر أثر الاستصحاب عند الفقهاء واضحًا جليًا، فقد اعتمد غير إمام على القول بالاستصحاب في مس ائل كثيرة، ومن ثمّ هي موض ع خلاف بينهم، منها على س بيل المثال لا الحصر:[11]

- الوضوء مما يخرج من البدن من غير السبيلين مثل القيء والرعاف، فقد أخذ الشافعي بالاستصحاب، وذلك لأنّ الأصل عدم النقض فيستصحب الأصل حتى يتبين خلافه.

- حكم المتيمم إذا وجد الماء أثناء الصلاة فصلاته صحيحة استصحابًا للحال.

- الصلح على الإنكار : قال الشافعي بالاستصحاب، وذلك أنّ الأصل براءة الذمة عن الحقوق؛ لأنها خلقت فارغة.

- إرث المفقود الذي لا تعلم حياته أو موته، حيث إنّ الأصل حياته، فيستصحب الأصل حتى يظهر خلافه.

-اختلاف الوارث والموهوب له في أ ّ ن الهبة وقعت في الصحة أو المرض.

- اختلاف المتبايعين في وقت الفسخ.

- وقوع الرضاع المؤثر في التحريم في مدة الحولين أو بعدهما.

حجيته

          الإستصحاب آخر دليل شرعي يلجأ إليه المجتهد لمعرفة حكم ماعرض له, ولهذا قال الأصوليون: إنه آخر مدار الفتوى, وهو الحكم على الشيء بما كان ثابتا له مادام لم يقم دليل يغيره. وهذا طريق في الإستدلال قد فطر عليه الناس وساروا عليه في جميع تصرفاتهم وأحكامهم.[12]

          وعلى هذا الإستصحاب المبادئ الشرعية الآتية: الأصل بقاء ماكان على ماكان حتى يثبت مايغيره, الأصل في الأشياء الإباحة, ما ثبت باليقين لا يزول بالشك, الأصل في الإنسان البراءة.[13]

والحق أن عدّ الإستصحاب نفسه دليلا على الحكم فيه تجوُّزٌ, لأن الدليل في الحقيقة هو الدليل الذي ثبت به الحكم السابق, وما الإستصحاب إلا استبقاء دلالة هذا الدليل على حكمه.[14]

الإختتام

          وقد قرر علماء الحنفي أن الإستصحاب حجة للدفع لا لإثبات, مرادهم بهذا: أنه حجة على بقاء ما كان على ما كان, ودفع مايخالفه حتى دليل يثبت هذا الذي يخالفه, وليس حجة لإثبات أمر غير ثابت. ويوضح هذا ما قرروه في المفقود-وهو: الغائب الذي لا يدرى مكانه ولاتعلم حياته ولا وفاته-فهذا المفقود يحكم بأنه حي بإستصحاب الحال التي عرف بها حتى يقوم دليل علي وفاته. وهذا الإستصحاب الذي دل على حياته حجة تدفع بها دعوى وفاته والإرث منه وفسخ إجارته وطلاق زوجته, ولكنه ليس حجة لإثبات إرثه من غيره, لأن حياته الثابتة بالإستصحاب حياة اعتبارية لا حقيقية.

المراجع

خلاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، دار الكتب الإسلامية, الطبعة الأولى, 1431 هـــ- 2010 م.

ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري البيضاوي، لسان العرب، دار صادر بيروت.

الشوكاني، محمد بن علي، إرشاد الفحول، دار الفكر، بيروت.

الجوزية, ابن قيم, أعلام الموقعين عن رب العالمين، تح طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات, الأزهرية، ١٩٦٨

المقدسي، ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن محمد بن أحمد، روضة الناظر، المطبعة السلفية، بالقاهرة, ١٣٩٧ ه.

القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، دار الفكر، ط 1،١٩٧٣.

الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، تح محمد أبو الفضل إبراهيم، البرهان في علوم القرآن, دار إحياء التراث العربي, ط2, ١٩٥٧.

---

[1]  لسان العرب، ابن منظور مادة صحب.

[2]  إرشاد الفحول، ص ٢٣٧ / شرح تنقيح الفصول، ص ٤٤٧ / أصول الشاشي، ص ٣٩١/ البحر المحيط في أصول الفقه، ٦ /١٧/ روضة الناظر، ص ٨٠ / التمهيد، ص ٤٨٩/ الأحكام، ٥/ ٢/ أعلام الموقعين ١ /٣٣٩ / حاشية البناني على جمع الجوامع. 2/ ٣٤٧/ المستصفى من علم أصول الفقه، ص ٢٢٣.

[3]  علم أصول الفقه، ص ٩١

[4]  علم أصول الفقه، ص ٢٠ وما بعدها.

[5]  روضة الناظر، ص ٧٩

[6]  شرح تنقيح الفصول، ص ٤٤٢

[7]  البرهان في أصول الفقه، ص ١١35

[8]   المحصول في علم أصول الفقه ،٢/ 163وانظر: البحر المحيط في أصول الفقه / 6/17. إرشاد الفحول، ص ٢٣٨ . المسودة، ص ٥٧١

[9]  البرهان في أصول الفقه، ١١٣٥

[10]  لمزيد من التفصيل انظر :نشر البنود على مراقي السعود، ص ٢٥٩ / روضة الناظر، ص ٨٠, أعلام الموقعين, 1/ ٣٣٩. إرشاد الفحول، ص ٣٣٩

 [11] التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص ٤٨٧ وما بعدها . المسودة، ص ٤٨٥ / الأحكام، ص ١٨١ وما بعدها / البحر المحيط في أصول الفقه ٦/١٧ وما بعدها. المستصفى، ص ٢١٧ وما بعدها . نهاية السول، ج ٤، ص ٤٦٠ / روض الناظر، ص 80.

[12]  عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، ص:82

[13]  نفس المرجع, ص: 82

[14]  نفس المرجع, ص: 82.

Kunjungi Lapak Kami Dhamar Mart,,, Harga kesepakatan penjual dan pembeli.
Instagram @dhamar_mart
Instagram @dhamar_hijab
FB Dhamar Mart

Share it to your friends..!