Wednesday, July 6, 2011

خيار المجلس

الخيار شرعا في بيع و غيره هو طلب خير الأمرين, وهما هنا فسخ البيع أو إمضاؤه.
وخيار المجلس ثابت بالسنة الصحيحة ويقتضيه القياس
احتلف العلماء في صحة البيع, فذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلي صحته لأدلة الثابتة. فذهب مالك إلي عدم صحته, واعتذروا عن العمل بأحاديثه ومنها أنه خلاف عمل أهل المدينة فأجاب الجمهور عن أعذاره.

الحديث الأول:عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله  أنه قال إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع .
وفي معناه حديث حكيم بن حزام وهو الحديث الثاني قال : قال رسول الله  البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما

المفردات
- إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار : إذا حرف شرط غير جازم وجملة تبايع الرجلان فعل الشرط وقوله فكل واحد منهما بالخيار : جواب الشرط وجزاءه وجملة ما لم يتفرقا تحديد لزمن الخيار بالتفرق
- وكانا جميعاً : تأكيد لمفاد ما لم يتفرقا والواو واو الحال والجملة حالية
- أو يخير أحدهما الآخر : هذا يشمل أمرين أحدهما أن يكون بينهما خيار ممتد إلى ما وراء المجلس كثلاثة أيام أو ما أشبه ذلك والثاني أن يشترط أحدهما على الآخر قطع خيار المجلس بأن يقول اختر إمضاء البيع أو رده فإذا حصل ذلك انقطع الخيار .
- فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع : أي فقد وجب البيع على ما اتفقا عليه .

المعنى الإجمالي
شرع الله على لسان رسوله وشرعه حق ولا يشرع إلا لمصلحة أنه إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا لأنه إذا اختار أحدهما ترك البيع جاز له الرد والترك رضي صاحبه أو لم يرض أو يخير أحدهما الآخر بأن يقول له اختر إمضاء البيع أو رده ولا خيار لك بعد الاختيار أو يشرط أحدهما امتداد الخيار إلى اليوم واليومين والثلاثة وهذا يسمى خيار الشرط وفي حديث حكيم بن حزام فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما أي أن البركة ملازمة للصدق وبيان العيوب والمحق والخسارة ملازمة للكذب والكتمان وبالله التوفيق .
فقه الحديث
1. يؤخذ من حديثي عبدالله بن عمر وحكيم بن حزام مشروعية خيار المجلس وهو أنه يجوز الخيار ما داما في المجلس لم يتفرقا عنه فإذا اختار أحدهما رد البيع جاز له ذلك رضي صاحبه أو لم يرض وقد قال بما اقتضاه الحديث الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث وقال مالك وأبو حنيفة بعدم خيار المجلس رغم أن مالكاً هو أحد رواة الحديث وقد ذهب ابن حبيب من أصحاب مالك إلى إثبات خيار المجلس
2. قوله أو يخير أحدهما الآخر يدخل تحته أمران :
الأمر الأول أن يشترط أحدهما الخيار ممتداً إلى ما بعد المجلس كخيار ثلاثة أيام أو يوم أو ساعات أو ما أشبه ذلك وهذا يقال له خيار الشرط والدليل عليه حديث حبان ابن منقذ ( أنه كان يبايع فيغلب في البيوع فقال له النبي ( إِذَا أَنْتَ بَايَعْتَ فَقُلْ لا خِلابَةَ ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلاثَ لَيَالٍ فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا) فهذا يقال له خيار الشرط وقد رأى بعض الفقهاء أن خيار الشرط يجوز ولو كان لسنة أو سنتين . الأمر الثاني أن يخير أحدهما الآخر بأن يختار عدم استمرار الخيار إلى نهاية المجلس بل يختار قطعه ويستدل لهذا القول بقوله ( أو يخير أحدهما الآخر ) فإن اتفقا على ذلك انقطع بينهما الخيار .
3. هناك خيارات لم تذكر كخيار العيب وقد عدّ الفقهاء الخيارات إلى ثمانية .
4. يؤخذ من قوله ( حتى يتفرقا ) أن التفرق يعد منهياً لخيار المجلس ما لم يكن بقصد إنهائه لقوله  (وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ ) وهل الفراق الذي يحصل من أحد المتبايعين بقصد عدم الإقالة هل يعد قاطعاً لخيار المجلس ما دام وهو معصية لله أم لا ؟ هذا محل نظر وخلاف بين العلماء .
5. يؤخذ من قوله (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) وفي رواية ( فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا) .يؤخذ من ذلك أن البركة في البيع مترتبة على الصدق والبيان وأن المحق فيه والخسران مترتب على الكذب والكتمان .
حكمته
قال ابن القيم: أثبت الشارع خيار المجلس في البيع حكمة و مصلحة للمتعاقدين, وليحصل تمام الرضا الذي شرطه الله تعالي فيه بقوله (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم). فإن العقد يقع بغتة من غير تروّ ولا نظر في القيمة, فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد أمداً يتروى فيه المتعاقدان, ويعيدان فيه النظر, ويستدرك كل واحد منهما ما فاته.